الجمعة، 26 أغسطس 2011

مناجاة

الليلة ربما هي ليلة القدر ها هي مناجاتي لك يا الله

"اللهم أعز الإسلام والمسلمين..وأذل الشرك والمشركين..ودمر أعداء الدين..اللهم عليك ب...وب... اللهم رمّل نساءهم..ويتّم أطفالهم"
هذا الدعاء سوف يخرج الليلة من ملايين المساجد في الكرة الأرضية..بيوتك يا الله!
ثم يخرج هؤلاء من المسجد ليصرخوا :
"الإسلام دين الرحمة"
ويتعبدونك بتلاوة ما ذكرته عن نبيك "محمد" :
"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"
كان من الممكن يا الله أن تلهمهم هذا الدعاء :
"اللهم أعز الإنسان الذي كرمته في كتابك..اللهم كف أيدي بني آدم عن القتال..اللهم وزع علي قلوبهم من الحب ما يجعلهم ودودين ومتراحمين كي تصبح الأرض جنة صغيرة..قبل أن تضمنا جميعا في جنتك التي وعدت"
...
"لا يُقتَل مسلم بكافر"
رواه البخاري
يا الله..أنا لا أستطيع أن أصدق أن نبيك"محمد" قد قال هذا..ألست تقول:
"و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس"
وقلت أيضا :
"من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا"
أنت تعلم يا الله أن كثيرا من الموحدين لك يرفضون المواطنة..فكيف يقبلونها وهي تقوم علي أساس المساواة وعدم التمييز بين المواطنين علي أي أساس حتي لو كان دينيا.
كيف يقبلونها وهم يقرأون هذا الحديث يا الله !
عفوا يا الله..أنا لن أستطيع أن أقبل هذا الحديث مهما حاول المتنطعون من المفسرين والشراح أن يؤلوه !
أعرف أنك شاهدت مقتل الناشط الإيطالي "فيتوريو أريجوني" في غزة..أريد أن أعرف كيف تابعت مقتله علي يد أناس يدعون صلتهم القوية بك!
أنت تعرف أنه قد ترك"أوروبا" وما فيها تضامنا مع أطفال "غزة" و انتصارا للقضية الفلسطينية فقتله أهلها؟
أنت تعرف أيضا اعتراض بعض الموحدين لك علي قيام"حماس" بقتل مختطفوه وقاتلوه..إذ كيف يُقتَل "مسلمون" لاغتيالهم "كافر" ؟
لا أخفي عليك يا "الله" أنه عندي أفضل من موحدين كثر لك يتمتمون بما ورثوه عن آبائهم وأمهاتهم ولا يفهمونه !
...
يا الله.. يكفي تلك الدماء التي أريقت باسم أديانك الثلاتة التي نعرف..
كفي تلك الشرور بين عبادك..
اللهم اهدِ رجال الدين أو أسكتهم..اجعلهم دعاة للإنسانية لا الهمجية..
ارحم الأطفال الصغار..فأنا لا أقوي علي رؤيتهم يبكون أو يتنطعون..
لا أريد أن أكون مغفلا وأردد ما ذكره "مصطفي محمود" في إحدي كتبه عندما قال:
"في الكتب المقدسة..إن هذا القضاء جري علينا تكفيرا عن الذنب الذي ارتكبه أبونا آدم..حينما عصي ربه وأكل من الشجرة المحرمة. و كل حياتنا منذ اللحظة الملعونة كانت فدية..كانت قربانا لله ليغفر..ويعفو..ويسامح"
فأنا أعرف جيدا أنك تقول:
"ولا تزر وازرة وزر أخري"
لكني مع ذلك..لن أكون مثاليا يا الله..فلا مانع من بعض القلق..بعض الخوف..آلام الولادة..آلام الاحتضار..
وأخيرا : أطلب منك يا الله أن تجعل الناس في هذه الأرض ينتمون للإنسان وينتصرون له..ولا يظلمونه تحت أي مسمي..
اللهم آمين
..
استدراك
"تم القبض علي معمر القذافي واعتقاله"
يا الله..أريد أن أسمع هذا الخبر بعد ساعات..أو أن تقبضه أنت إليك..فأنت تعرف أنه يجعلني أعتقد في عبثية الحياة..وهذا ما لا أحبه!



الجمعة، 20 مايو 2011

أنا الذي اقتربت ورأيت

إهداء إلي الصديقين:

هيثم عبد القادر
أحمد مختار عاشور.

..

.أنا لن أنتحر الآن
سأنتظر حتي يأتي رمضان
فأصوم النهار
وأقوم الليل..حتي تأتي تلك الليلة المزعومة..فأصلي الفجر جماعة في الجامع الكبيرالذي كنت أحضر الجمعة فيه وأستمع للشيخ الذي كان يسب المثقفين والمسيحيين علي منبره
ثم أصعد سطح البناية التي أسكن في الدور الخامس منها
ثم أقفز
أنا لن أنتحر الآن
...

استدعاني صديق إلي البار..ذهبت إليه..بعدها بقليل انضم إلينا آخر
اللعنة عليكم جميعا
أنا الوحيد الذي يشرب الكولا في البار
....
أصر علي أن أصحبه إلي البار
"نوبغوجِيده"..هذا هو اسم الشارع الذي تسكنه أغلبية عربية -
هنــــاك
في تلك الجزيرة..في شمال الشمال-
"الميدان"..البار يسمي"الميدان"
أطلب الكولا
أنا الوحيد الذي يشرب الكولا في البار
أفرغ منها..بينما ينهال صديقي علي زجاجة البيرة رقم..لا يهم الرقم
" طيبة هذه التوبورج..مصطفي حبيبي.. اشرب لا يهمك"
هكذا همس لي صديقي "كريم" بلكنته العراقية التي حافظ عليها رغم الحرب العراقية الإيرانية..رغم حرب الخليج..رغم الهروب خلسة في السفن..رغم الصليب الأحمر..رغم اللجوء السياسي
حتي رغم داء السُّكّري الذي أتي عليه...
-هو لا يعرف أني بالكاد أشرب "فيروز" في بلدي-
بالتأكيد هو لا يعرف إلا "فيروز" التي تغني
صيحة "راسل كرو" في فيلم"عقل جميل" تملأ رأسي الآن
”respect for beer…respect for beer”
.....
أنا الوحيد الذي يشرب الكولا في البار
ما الذي أتي بي هنا؟؟ سأضطر أن أتحمل سخافات صديقي وهو يسفه كل ما لديّ
ميولي الإسلامية
ميولي الليبرالية
حبي
كل هذا.
اللعنة عليّ..سيحاربني بإلحاده
اشتراكيته
غزواته الجنسية التي ما زلت أشكك فيها
-أنا لا أظنه حتي قبّل خد حبيبته الأخيرة-
سيواجهني بإيفوريته التي تمنحها إياه البيرة لينقض علي الكآبة التي علت وجهي منذ شهور
اللعنة علينا جميعا
....
"أنا لا أشرب البيرة..اتركني براحتي أخ كريم"
سأكتفي بالكولا وسجائري
خرج للحظات..ثم عاد بعلبة سجائر أهداها لي
”respect for beer..respect for beer”
-صيحات "راسل كرو" لا تريد أن تغادر رأسي-
عندما تعرفت علي كريم لم آخذ وقتا كبيرا كي نشعر بأن صداقتنا هذه ليست وليدة هذه الأيام
ربما جمال عبد الناصر ساعد في ذلك
....
ليست معي سوي بضع لفافات من التبغ..الوقت متأخر جدا..لو خرجت لشراء علبة جديدة لن أجد من ابتاع منه..سأضطر إلي مشاركة صديقي في سجائره الرخيصة-كليوباترا-..كليوباترا..هذه الملكة التي لو جربت لفافة واحدة من السجائر المسماة باسمها لأهدت أهل مصر أقذع السباب وربما أتت بحركات بذيئة بإصبعها الأوسط
صديقي يعرف أني دائم الإهانة لسجائره..لذا لن يوافق بسهولة أن أشاركه فيها
زجاجات البيرة هنا شكلها يستفزني جدا..تشبه زجاجات الفينيك التي لم أرها ولكني شممت رائحته في حمامات المدينة الجامعية
"سقارة" ..من إنتاج شركة الأهرام للمشروبات الإباحية
"كليوباترا" .."سقارة".."الأهرام"
وقريبا جدا الواقي الذكري
" أحمس"
هذه هي الحضارة الفرعونية
" أنا بحب طعم البيرة "
ينظر إلي مستفِزا
اللعنة عليك وعليها
.....
" حتي في شرب المسكرات..الإنسان الغربي يشرب ما يحفظ توازنه..بينما العربي يشرب حتي الثمالة"
علي أحد الطاولات ظهرت صورة "محمد الغزالي" شاحبة ومنهكة..ثم مرت مقولته هذه أمامي بسرعة..
أنا فقط أشرب الكولا-حدثت نفسي
أنا الوحيد الذي يشرب الكولا في البار
أفقت من غفلتي علي صوت "كريم" وهو يدعوني إلي التركيز في الأغنية
”dancing queen”
"كريم" منسجم جدا مع الأغنية..أخبرته أنها تروقني..وهي بالفعل كذلك
”respect for beer..respect for beer”
"كريم" أوشك علي أن ينهي زجاجة البيرة الخامسة
صوت"راسل كرو" يملأني الآن
"كريم..لو سمحت أنا مش بشرب"
يرد صوت من داخلي أيضا
أنا الوحيد الذي يشرب الكولا في البار
.....
لم أتمالك نفسي من الضحك علي هذه ال "سقارة" ..وكلما ازداد ضحكي كلما غضب صديقي وطلب المزيد حتي أسكت.فأخبره :

" أكيد كان فيه إزازة فينيك كانت بنفس الشكل دا لقيوها جنب هرم سقارة..فخلوا أزايز البيرة بنفس الشكل المستفز دا "

بعدما فشل في إسكاتي..لم يجد مفرا من أن يلجأ ل"مايستر" ..أنهي كانزين منها
ثم انهال سيل السخافات عليّ
لم أستحمل
هددته برحيلي فهدأ قليلا
لكنه طلب النبيذ هذه المرة..فتأهبت لسخافاته مجددا
"فيه حد يسافرأوروبا..ولا يمارس الجنس هناك...طيب هنا وقلنا ماشي لكن هناك؟"
.....
"
Nadja..هذي البنت تحبك مصطفي..ليه ما تكلمها؟ ..دايما تسألني عنك حبيبي""..
هكذا أتاني صوت "كريم" بكل تردد..وكأنه يخشي من ردة فعلي
أخبرته بأن يغلق الحديث في هذا الموضوع وكررت له كلامي بأني مرتبط بعلاقة حب بفتاة في بلدي البعيدة

التفت إثر لمسة ناعمة علت يدي التي كانت تنقر فوق الطاولة بعصبية..لكني يدي هدأت واهتدت وهي تحت يدها
”oooh, Nadja”
-دائما كانت تبهرني..هذه البنت الشمالية ..لا أستطيع أن أواجهها بأي كلام عندما أراها..تنهار قدرتي علي التفوه في وجودها..بنت آسرة..منذ تعرفت عليها ذات يوم في المستشفي وحضرنا معنا عملية تغيير لمفصل الركبة مع دكتور
”Neils levi”
من وقتها..وارتبطت معها بصداقة فورية . كنا نخرج معا ونهيم في شوارع مدينتها النظيفة الهادئة

مع مرور الأيام وجدت علاقتنا تأخذ شكلا جديدا وازدادت حميميتها تجاهي
-كان هناك حب مرتبك ينتظرني في بلدي-
لذلك..أصبحت أتجاهل مكالماتها ورسائلها. ساعدني في ذلك أنها أنهت الفترة المخصصة لها في المستشفي الذي كنت فيه
-لابد أن "كريم" هو من فعل هذا ودبر مجيئها هنا-
تلقائيا وجدت نفسي في حضنها..رحبت بها بحميمية أثارت دهشتها
-لكنها كانت سعيدة-
....
"أنا لم أمارس الجنس هناك..ولم ولن أمارسه هنا"
صرخت في وجهه بتلك الجملة
" أنت غبي..لازم تمارس الجنس قبل ما تموت..وللا عشمان تدخل الجنة وتمارسه هناك؟؟

متحاولش..مش هتدخل الجنة..تحب أريحك..مفيش حاجة اسمها جنة أساسا.."جنة" دي علبة سمنة وبس"..فهمت ؟ "

-النبيذ أصبح يؤدي دوره علي أكفأ ما يكون-

" أنت عارف إني حد مش شهواني زيك..وعارف أن الفرصة جات لي كذا مرة لممارسة الجنس سواء هنا أو هناك..وأظن أنك متأكد أني مليش في النجاسة زيك"

-لم أفهم لماذا انفعلت وارتبكت وأنا أوجه له الكلام رغم أن هذا الحديث دار بيننا عشرات المرات..وكأنني أنا الذي يشرب وليس هو. فأنا لا أشرب...

أنا الوحيـــدالذي يشرب الكولا في البار
.....
لم تفوت صديقتي الشمالية الفرصة..استغلت حميمية ترحيبي بها جيدا
اختفت لثوانٍ..ثم عادت بزجاجتها المفضلة

"كريم" انسحب بعد أن أدي مهمته جيدا..لجأ إلي أحد أركان البار ليمارس لعبته المفضلة ..لا ليست لعبة..إنها ماكينة قمار. لا يفوت فرصة وجودي في البار..يستغلها..فهو يتفاءل بي دائما وبالفعل هو يربح دوما في صحبتي

"الويسكي". منذ أن لمست يدي..استولت صديقتي علي مقاليد أمري..غبت في حضرتها..احتوتني أنوثتها..أنا الذي طالما هربت من حصارها..ها هي الآن تغزوني وتفتح حصوني المنهارة..استسلمت لها تماما
-الله يجازيك يا كريم- أحدث نفسي

طعم "الويسكي" الحارق..الكحول يكوي الأغشية المبطنة لفمي وحلقي
-بالكاد فرغت من الكأس الصغير..الصغير جدا-
أحست بي..فناولتني زجاجات البيرة وكؤوسها الكبيرة..ثم غبت مجددا داخلي يصرخ الآن :
”respect for beer..respect for beer”
لم أر "رسل كرو" مجددا
فأنا في حضرة
”Nadja”
.....
" المرأة تعرف الجنس وفقط..متقوليش حب..مش عايز أسمعها منك الكلمة دي تاني..أنت ليه بتدي الفرصة للبنات أنها تعمل فيك كدا..أنا بقولك كدا عشان مصلحتك..طيبتك دي هي اللي مضيعاك صدقني"

وقبل أن أرد..بادرني
"شوف كام واحدة سابتك بعد ما حسستها بأنوثتها وأنها بني ادمة أصلا..

فقاطعته
"أنت عارف أن محدش سابني كدا..وانفصالي عن أي واحدة كان بالاتفاق..

لم يرحمني منه إلا همهمات من صديقنا الثالث-والذي كنا قد نسيناه تقريبا بسبب سخونة الحوار- رغم كثرة المرات التي تجادلنا فيها في هذا الموضوع-
كان السُكْر قد أتي علي صديقنا فانكب علي الطاولة مغشيا عليه..ثم تمكنا من إفاقته بشكل جزئي
أنا الوحيــــد الذي يشرب الكولا في البار
لم تزل تلك الجملة تترد في داخلي وأنا خارج من البار...كنت قد سبقتهما في الخروج لأتأكد من خلو الشارع من رجال الشرطة حتي لا يقع أحدهما أو كلاهما تحت طائلة "محضر السُكْر"
-أعرف أن هذه إحدي وظائفي الأساسية هذه الليلة-
الوظيفة الثانية هي إحضار التاكسي بسرعة..وقد كان.
.....
أفقت علي ملمس يدها من جديد
“Nadja”
وجدت نفسي في غرفتها في مسكنها الجامعي.. عندما رأتني أفتح عيني ..لم تمهلني ..سحبتني من يدي..ثم غبت من جديد في حضن طويل

أفقت علي شبح ارتسم علي وجه المرآة التي كانت تقابلني
بعدها لم أشعر بنفسي إلا وأن أجري في الشارع
كان الليل الأسود يسيطر علي الشارع وقتها..لم يتخلل هذا السواد سوي بعض المارة
يبدو أن الوقت كان قد جاوز منتصف الليل بقليل في هذه المدينة التي تنام قبل هذا الوقت بثلاث ساعات تقريبا
البرد شديد وقارس..نسيت معطفي في غرفتها
-لايهم-
المطر يتساقط بازدياد॥ لمأعد أري من خلف نظارتي الطبية بعد أعمت عدساتَها قطراتُ المطر..فانتزعتها من بين عينيّ
نسيت شمسيتي في غرفتها
-لايهم-
واصلت الجري..لا لن أذهب إلي مركز النت القريب..هي تعرفه جيدا وحتما ستأتي لتفتش عني فيه-علي الأقل لتعطيني ما نسيته في غرفتها
سأذهب إلي مركز بعيد –كان "كريم" قد عرفني به منذ أيام
لم أعرف مصدر الطاقة التي سمحت لي بأن أجري لنصف ساعة..حتي وصلت!
......
أتينا بصديقنا الثالث في شقتنا..كان قد بدأ للتو في التعرف علينا بعد أن كان مغشيا عليه
أجلسناه علي الأنتريه..مازحته قائلا :
"أنت عيل سيس..شربت لحد لما وقعت من طولك..أنت عربي أصيل للأسف..لكن شوف صاحبنا دا..عشان متأثر بالغرب..بيشرب للمتعة..كمية متخليهوش يفقد توازنه..مش بيسيب نفسه لحد لما يقع علي وشه زيك"

لم يرد علي واكتفي بابتسامة عاجزة
بعدها بقليل..أخذته حالة من النشوة ..لم تدم طويلا
انقلبت ببكاء هستيري..دام طويلا
وتخلله مجموعة من الأسئلة الوجودية:
"ايه لازمة الحياة اللي احنا عايشنها دي؟"
"امتي هتخلص المسرحية السخيفة دي؟"
"ليه الفرح مش بيدوم..امتي طلع قرار بحرماننا من السعادة؟"
إلخ......إلخ

انقطعت هذه الأسئلة بأن وقف علي رجليه ثم سار قليلا في الصالة فأمسكت بيده
"أنت رايح فين ؟"
سألته-بكل فزع
فجاوبني بلا مبالاة
"هنط من البلكونة...هنتحر"
فوقفت وأمسكت به أنا وصاحبي فلم تٌجدِ معنا مقاومته فسقط علي الانتريه مستسلما
"أنت مش هنتحر؟؟"
-موجها السؤال لي-
فأخبره صديقي :
لن ينتحر الآن..سينتظر لمدة أشهر
حتي يأتي رمضان
فيصوم النهار
ويقوم الليل..حتي تأتي تلك الليلة المزعومة..فيصلي الفجر جماعة في الجامع الكبيرالذي كان يحضر الجمعة فيه ويستمع للشيخ الذي يسب المثقفين والمسيحيين علي منبره
ثم سيصعد سطح البناية هذه
ثم يقفز
لن ينتحر الآن
.....
دخلت مركز النت..أعطاني الشاب التركي رقم الجهاز بعد أن رحب بي بإنجليزية ركيكة
-كثيرون هم الأتراك هنا..لا يجيدون إلا لغتين: الدنماركية-بحكم إقامتهم هنا منذ زمن-
والتركية-لغة بلادهم البعيدة-...لا يجيدون الإنجليزية إطلاقا!

دخلت علي الشات॥بدا لي "الياهو" وقتها وكأن حضنه سيسعنا أنا وهي
كانت أونلاين..فتنهدت ارتياحا
"أنا محتاجلك جدا"
"مصطفي..صليت الجمعة النهاردة؟؟"
"بجد..أنا محتاجلِك جدا..مفتقدك بشدة"
"لو سمحت رد عليا..صليت الجمعة النهاردة؟"
-لم أعرف أن اليوم كان يوم جمعة إلا من تكرار ظهور هذه الكلمة علي صفحة الشات-
ثم رأيت الحضن الواهم يتلاشي وتبتلعه تلك المسافات من البلاد والبحار والناس
حتي أني رأيت النيل من بعيد..وقد غطاه السواد والقبح..كان مشهده منفرا
فأجبتها :
"لا... عشان معرفش أماكن جوامع هنا"
لم ترد عليّ...أصابها الصمت للحظات
حتي أصبحت
أوفلاين

ثم خرجت..غادرت مركز النت ..وغلفني شعور بالهزيمة أكسبني كآبة علت وجهي لشهور
وبحثت عن الطاقة التي كانت معي منذ دقائق فلم أجد
كان المطر قد ازدادت طرقاته علي الأرض ..لم أنتبه إلا وقدامي في بركة من الماء الذي تراكم علي جانبي الطريق..البرد كانت تزداد حدته فلم يعد لدي بعض الدفء الذي وفره لي الجري منذ دقائق
تحاملت علي نفسي حتي وصلت إلي أقرب محطة أتوبيس ..
دخلت غرفتي..ارتميت بملابسي المبتلة علي السرير
ثم غبت
استيقظت علي لكمات خفيفة من صديقي في الغرفة
وقمت مفزوعا وأنا ألهث وأردد بلا انقطاع :
أنا الذي اقتربت ورأيت..أنا الذي اقتربت ورأيت


الخميس، 2 ديسمبر 2010

عن الذين يبيعون الحب واليقين بالأوهام والأحلام


إهداء : إليها
....
نساؤنا لا يحط عليهن الذباب
نساؤنا جميلات
نساؤنا لا تعرف العبث
نساؤنا مؤمنات
.
.
.
.

" مريت بتجربتين أو تلاتة..وكنت بنهي الحكاية ببساطة..مش هو دا اللي بدور عليه"

دعكِ من اللوم يا حبيبتي..لا تقولي أني استبحت عالم النساء..أنا فقط كنت أبحث عن حب يواري سوأة حبي لك الذي انقض علي أركاني..فزلزلها.
........

" متعدليش كام ظالمهم معايا..مش قصدي سوء نية..دا في النهاية أسلوب بحاول يوم أنساكي بيه "

كنت قد كررت جولاتي في عالم النساء يا حبيبتي ولكن تكفيني حسن نيتي..كان ذلك من أجل نسيانك..ربما أنا واهم..فأنا لم أعرف يقينا إلا حبك.
ها أنا أعود الآن وما في قلبي موضع وإلا وفيه ذبحة من حب.
...........

" أنا متعقد علي فكرة..مبقتش ببص لبكرة..وأتاريني عايش علي الذكري"

ربما تقولي الآن: وما الجديد ؟؟..الإحباط وصم لك منذ عرفتك..ما الذي جد في الأمر ؟؟
أنا أخبرك: أنا كنت محبطا- فعلا يا حبيبتي- سياسيا..ولكني كنت أراهن علي العاطفة والناس..كنت أراهن نفسي. الآن جازلي أن أقول أني خسرت الرهان..لقد تسلل الإحباط إلي كلِّي..لقد استعمرني وما ترك لي متنفس من أمل.
هل تذكريني يوم أخبرتك بنيتي للسفر إلي أوروبا لعلي أجد نفسي هناك. لقد سافرت ما سافرت ولكن عاهاتي وأوهامي كانت معي ولم أفلح في التخلص منها.
حبيبتي..وددت لو عدت بعقلي إلي أيام المأثورات..لكنه الابتلاء.
..............

" أنا مش بفكر في نفسي وأناني..دا أنا الوحيد اللي واقف مكاني..وأنا الوحيد اللي بخسر أكيد"

نعم..أنا أخبرتك بقناعتي بمبدأ " الأنانية الحميدة".. لكن إيماني به لم يكن باليقين الذي يحميني من نفسي..نفسي الأمارة بالأحزان!!
أنا مريض بحب الناس يا حبيبتي. وهناك أحزان مؤجلة.. اجتمعت عليَ في بلاد الغرب والغربة.. أعجزتني ..تراكمت عليَ هناك فما عدت أستطيع.
أنا الذي يخسر دائما يا حبيبتي..
................

"أنا غصب عني اما بعمل مقارنة..ولما اقلب وابص في صورنا..مش بعرف أنسي واعيش من جديد"

ما أنا إلا عقل وقلب..وقد اتفقا عليَ.
لا يا حبيبتي..لم تكن تجمعنا صور..لم تكن إلا لحظات نسرقها خلسة من مجتمع فصاميَ يرتدي ثوب التدين رياءً..
هل تذكرين يوم أخبرتك بأني سوف أصحبك حتي بدايات الشارع الذي يسكنك .لقد رفضتي. تذكرين ماذا قلت؟!!
"يعني سواق التاكسي أحسن مني في ايه عشان تركبي جنبه وأنا لا!!".
لكنها فروض الولاء التي يجب أن تقدم لمجتمع متأله.
لكنّ ما يجمعنا..شيء أعظم و أخطر من الصور..إنها الذاكرة يا حبيبتي..
أنا الآن أتذكر "أحلام مستغانمي" وهي تخبرني :
"نحن لا نشفي من ذاكرتنا..ولهذا بعضنا يكتب.. بعضنا يرسم..ولهذا بعضنا يموت أيضا" .
نعم أنا أكتب إليكِ الآن..ولكني لا أجيد الرسم ..أنتِ فقط من تجيد الرسم يا حبيبتي.. إني خائف..خائف أن أواجه الخيار الثالث والأخير..وأنا هنا..وأنتِ هناك في عالمك..بعد السما عن عالمي.
" أنا متعقد علي فكرة"

اسمع حماقي :متعقد
http://www.youtube.com/watch?v=ww15TSLEbvs

الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

عن أبي..أحدثكم


هذا الأهلاوي المتعصب ..لازلت أتذكر مراقبتي له وهو يتابع مباراة تحديد بطل الدوري في الموسم الماضي بين الأهلي والاسماعيلي..أذكر أني انشغلت به عن متابعة المباراة نفسها- وكان دائما يفضل مشاهدة المبارايات خارج المنزل- وأتابعه وهو ينفعل ازاء كرة هنا أو هناك..وكنت أنظر إلي جسمه الذي يرتعش من القلق..وأقول له : "مينفعش كدا يا بابا..حرام عليك نفسك..حاول تستمتع بس..ومتشغلش نفسك باللي هيفوز." وطبعا كان كلامي هذا لا يحرك فيه شيئا وكأنه لا يسمعني.. إلي أن يرد عليّ :" اعمل ايه بس يا ولدي..دا آخر ماتش..مينفعش..لازم الأهلي يفوز"

....................


هناك شهيد النكسة

وفاقد بصره في حرب أكتوبر

يخبرونك

بابتسامة عريضة

ها قد ضحينا بأرواحنا

وأغلي أعضائنا

من أجل حديد عز!!

" من رواية..الولدان السيس المخلدون

..............................

أجترمع أبي ذكريات حرب أكتوبر..وفترة جيشه التي استمرت قرابة الست سنوات..ويحدثني بشيء من التفصيل عما حدث معهم..وخصوصا عندما حوصروا-الجيش الثالث- ويحدثني عن الرصاصة التي دخلت رجله وخرجت دون أن تترك-والحمد لله-أي إعاقة....فلا أجد في نهاية حوارنا إلا أن أختم بهذا الكلام لكي استنطقه :

" شوف يا بابا..اديك حاربت..وشوفت أيام صعبة ازاي..والبلد ولا عبّرتك..ولا سألت فيك..وشايف ازاي خيرها منهوب".

فيقول لي :" كلامك صح يا ولدي..البلد دي لو ماتت فيها رقاصة..يكتبوا عنها في صفحات وصفحات في الجرايد..لكن احنا ولا حد سائل فينا..نهبوا البلد ولاد الكلب".

......................


هذا ليس زمنك

أيها المرهف شفافية وعذوبة

هذا زمن إعدام العصافير

والأطفال والفراشات والنجوم

وأنت تدفق الحنان

صوب كائنات الله كلها

هذا ليس زمنك!!


"غادة السمان"

.............


. أبي..هذا الذي علمني ألا أكره..علمني أن أحب الناس..علمني أن أصالح الناس ..حتي لو كان الحق معي..لذلك أستغرب وأشعر بحزن بالغ عندما أجد بعض الناس ..حتي وإن كانوا مخطئين..يرون في الاعتذار ذلا ويرفضونه رفضا غريبا..ربما لأنك لست أباهم!


.أتذكرك وأنت تلاعب حفيدك (مروان)..وأنا أعرف حبك الجارف للأطفال..فما بالي بحفيدك؟!..وكيف يكون تأثرك ببكائه..وتلوم أختي دائما عندما يبكي..فلا تجد مفرا من أن تخرج به في الشارع في جولة ليلية متأخرة كي يهدأ بكاؤه..أنت ..رغم ما تعانيه من إجهاد في نهاية يومك..ورغم تعب سنواتك التي قاربت الستين..قضيتها في حل وترحال من أجل أربعة أبناء كفلت لهم مستوي معيشة وتعليم مناسب..أظن أنهم رغم مشاكلهم التي لا تنتهي..قد ساهموا ولو بجزء بسيط في رسم ابتسامة علي وجهك المضيء الذي يكسوه العرق دوما فيكسبه لمعانا يظهر ملامحك الوسيمة.. التي لم تعطني منها أي شيء!!


.أتذكرك..حين تصر علي صلة رحمك..وخصوصا أختك..فتذهب في إجازاتك القصيرة والقليلة لبلدتنا.. تزورهم وتودهم حاملا ما تستطيع من سبل المودة..معنوية قبل أن تكون مادية..أتذكرك..وأنت تعود حزينا منكسرا من هناك ..فمشاكلهم فيما بينهم لا تنتهي..وتقسم بالله أنك لن تعود لهم مرة أخري بعد يأسك من صراعاتهم علي دنيا..لاتستحق أن يتصارع عليها الغرباء..فما البال بالأقارب..أبناء الدم الواحد؟!أتذكرك وأنت تعقد العزم في أقرب مناسبة لكي تسافر مرة أخري إلي هناك..إلي أرمنت..فلا يكون مني إلا أن(أنكشك) قائلا : " ما أنت قلت يا بابا انك مش رايح البلد تاني".

فأسمعك ترد عليّ –وأنا في قمة سعادتي- بردك التلقائي :

" اعمل ايه يا درش بس..اخواتي..ولازم أشوفهم".

..............


. أتذكرك-وأنت تسافر شمالا وجنوبا- بارا بأصدقائك أيام الجيش..رغم انقضاء عشرات السنين مذ كنت معهم...فلا تمل من أن تتواصل معهم تليفونيا..وكيف عندما ذهبت لأحدهم في المنوفية فلم تجده..وانتظرته ساعات حتي أتي..فسلمت عليّه عندما رأيته فلم يتذكرك في البداية..فتهدده بأنه إذا لم يتذكرك فسوف تمشي وتتركه..ولكن كيف له أن ينساك؟!


.أتذكر قلقك المفرط عليّ .. حتي عندما كنت أذهب إلي قنا..وهي التي تبعد ثلث ساعة عن مدينتنا السكنية وتوصيني قائلا :"اركب مع سواق كبير شوية في السن يا مصطفي..لو لقيته ماشي بسرعة...قول له يهدي ..الدنيا مش هطّير"وكيف تكون وصيتك المشددة- التي حافظت علي تنفيذها في آخر سنتين لي هنا -عندما أخبرك بقدومي من أسيوط - :" اركب القطر يا ولدي..اوعي تيجي ميكروباص..أو بيجو..السواقين دول مش كويسين..وبيجروا جري علي الطريق..اسمع الكلام –الله يخليك- يا ولدي".وعندما أصل تستقبلني قائلا :" طبعا جيت عربيات؟!!..وللا جيت قطر؟!!"..أصل مفيش قطر في الوقت دا !!"فأنظر للأرض –استحياءا منك.. وأتعلل بتأخر القطارات عن المجيء في مواعيدها الرسمية وعدم وجود حجز في ذلك الوقت..فلا أجد مفرا من قولتك التي اعتدتها: " طيب قول لي علي الميعاد اللي هتسافر فيه عشان أحجز لك في القطر".


. أتذكرك..حين توصيني وأنا أستعد لسفري إلي أسيوط :" خلي بالك من نفسك يا ولدي..وشد حيلك..متشغلش نفسك بالسياسة..وملكش دعوة بالحزب الناصري وللا بالبرادعي..احنا مش هنغير الكون"..وأعرف أنك تشعر بأنك تؤذن في مالطة..لكني أعدك بحفاظي علي وصيتك!

...................

" سأحيا لأن ثمة أناسا قليلين أحب أن أبقي معهمأطول وقت ممكن

،ولأن عليّ واجبات يجب أن أؤديها،لا يعنيني إن كان للحياة معني أو لم يكن لها معني!!"


الطيب صالح

...............


.في اللحظات التي تغرقني فيها بحور الاكتئاب والإحباط..دائما أتذكر قلقي عليهما-أبي وأمي- خوفي من فقدهما يجعلني أعيش لحظات قاسية من الرعب الأسود..فتغلبني دموعي التي تتساقط في محاولة لترطيب تلك اللحظات الجافة.عندما تتمكن مني هذه الوساوس المزعجة أجدني لا أحس بدماء الحياة تسري في شراييني..ويحاصرني شعور غريب بأنه لا جدوي من حياتي.. بدونكما.أنتما الأمل الحقيقي..أنتما من يستحق أن أعيش لأجلهما.عندما أري السنين تمر..أعرف أن اللحظات التي أحاول تجنب التفكير فيها قد اقتربت..ففي كل يوم..هي أقرب من سابقه..فتكون السبب الأهم في دخولي غيابات الاكتئاب المظلمة..ومن بعدها دموع القلق المخيف تنهمر من عيوني في محاولة يائسة لتخفيف حدته فلا تفلح معه..فاستنجد بسلاحي الأخير.. النوم..علّ هواجسي تنام!!

الثلاثاء، 27 يوليو 2010

ذات فجر

دوما..يجد في مجتمعه شاطئا ممهدا كي ترسو عليه سفن شطحاته و نزواته..لا يفكر كثيرا في تبرير أفعاله..فقط يقول : مجتمع فصامي!!

يجلس هذا الذي لا يمل من تأمله وتفكيره الدائبين..يستحلب سيجارته وقت الفجر ويرقب شارعه من شرفته التي تقع في الدور الخامس من أعلي بناية في هذا الشارع الصغير..تجوب عينيه الشارع ذهابا وعودة :
.هؤلاء مجموعة من الشباب عائدين لتوهم من صلاة الفجر..يتبارون في إزعاج سكان الشارع.
لا يدري.. فربما يكون فعلهم البغيض هذا بقصد ؛ كي يوقظوا الغافلين عن صلاة الفجر !!
يقول هذا..لما خبره من أفعال شبيهة في المدينة الجامعية..حيث يقوم بعض الطلاب-من تلقاء أنفسهم- بطرق أبواب الغرفات حتي يوقظوا أصحابها لصلاة الفجر....لكي يدور عداد حسناتهم اللعين ؛ فالجنة في انتظارهم !!

.هذه سيدة وزوجها.. في الدور الأول من العمارة المقابلة ..بعد أن فرغوا من الصلاة يجلسون للحظات في شرفتهم..ثم تقوم هذه السيدة بإلقاء كيس الزبالة في وسط الشارع !!
لا يدري..كيف تحدثها نفسها بهذا الأذي..أليست خارجة منذ لحظات من لقاء ربها؟؟..أما تستحي ؟؟!!
المشكلة أن سكان هذا الشارع ينافس بعضهم بعضا في إلقاء زبالتهم في منتصف الشارع!!
يهوّن علي نفسه قائلا: لا بأس..يبدو أن بعض الحيوانات قد تركت أماكنها لتستقر في المدينة..بين البشر.

يشرب سيجارة بعد أخري..وكلما فرغ من واحدة تستدعي ما استطاعت من ذاكرته الحزينة..فيتذكر أيام التزامه بأداء صلاة الفجر..وسيره الحفيف في شوارع مدينته السكنية الهادئة وعودته من الصلاة بنفحات إيمانية تهتز لها جنبات نفسه ..يكلّلها في الصباح بسماع القرآن من الصوت الباكي"محمد صديق المنشاوي"..وكيف كانت أمه التي لم تزر مدرسة في حياتها تقول له-تأثرا- :
" هي الناس مش بتسمع قرآن وللا ايه يا ولدي ؟؟ الناس بتعمل اللي بتعمله في بعض ليه؟

الجمعة، 28 مايو 2010

سيرتي الذاتية...التي لم أكتبها........(1)


"أمومة الترتيل"



حينما كانت أمي تستعيد الاستماع إلي ما حفظت من قصار السور صعودا إلي السور الطويلة،ومن جزء عم إلي جزء تبارك، وتصحح بصوتها الرخيم ووجهها المضئ بالفرح وعينيها المسبلتين المتبتلتين ما أخطئ فيه ،كان الإيقاع الجليل بصفائه يشمل كل شيء، وكانت الدنيا تنتظم كأنها مسبحة أخاذة من الأصوات والانسجام المحكم.

وفي صبيحة الذهاب إلي "الكُتّاب" أول مرة، كانت سحابة من الإيقاعات المتشابكة قد انعقدت من بعيد فوق بيت "سيدنا" يزداد علوها وتشابكها كلما اقتربت خطاي، كان "الكتاب" غرفة واسعة في بيت "سيدنا"، حين أخذت مكاني علي الحصيرة بين جماعة المبتدئين، انتبهت مفزوعا مرتعبا علي صوت "سيدنا"، وهو يعنف امرأته وابنته الشابة وهما وراء الباب، ثم علا صوته الأجش الغليظ بآيات قصار السور، فقلت لنفسي :


لابد أن القرآن امرأة، وأن الآيات أمومة خالصة لا يعرفها الرجال، واكتشفت أن كل ما حفظته من قبل قد سقط من ذاكرتي..فبكيت!!




نقلا من كتاب

أوائل زيارات الدهشة
"هوامش التكوين"
محمد عفيفي مطر

سيرتي الذاتية...التي لم أكتبها .........(2)


"شاي الذكريات"

إهداء : إليها
..............
بطبعي لا أحب أن أفتح الباب طالما لا أعرف من الطارق ..
لكنه كان لحوحاً كقاتل يريد أن ينهي مهمته سريعاً ..
أخذت عصاي وذهبت لأفتح الباب ..
..............
وجدته أمامي يبتسم في حزن وشموخ!
رجل تخطى الخمسين من عمره .. بملامح مألوفة نوعاً ..

أشيب الفودين .. وسيم جداً .. بملابس معقولة ..
لا بأس ..
"نعم؟"
قال في ارتباك :

"اُعذرني .. أنا كنت ساكن في الشقة ديه من كام سنة .. قبل ما أبيعها وأهاجر برة"

نظرت له بمعنى :
"برضه نعم؟"
قال في ارتباك أكثر :
"كنت معدي بالصدفة في الشارع .. فقلت أطلع أشوف الشقة أخبارها ايه؟ .. لو مكانش يضايقك يعني .. نفسي أخد نفس واحد وأنا جوة الشقة .. الشقة ديه شافت أجمل ذكرياتي .."
..................
كان جسده ضعيفاً ..

لن يحتمل لكمتين مني لو اتضح أنه قاتل أو لص أو شاذ ..
قلت :
"بس أنا لما اشتريت الشقة ديه من سنتين .. كانت من ورثة ست عجوزة"
قال :
"ديه اللي اشترت الشقة مني .. مدام "اعتماد" الله يرحمها"

قلت :

"أنا افتكرت ! .. تقريباً أنا شوفتك من يومين .. واقف مع البواب"

يقول :

"آه .. كنت بسلم على عم " رجب" الجميل وبسأله عن الشقة .. بس وقتها اتكسفت أطلع"

....................

نظرت إليه لربع دقيقة ..
قال : "أنا ممكن أمشي لو معطلك عن حاجة .. أنا بس مش هاخد أكتر من دقيقتين"

فتحت الباب أكثر ..
"اتفضل" !
دخل ..
...................
وضعت العصا على أقرب مقعد ..

أثناء ما كان ينظر بلهفة حوله ..
وكأنه في متحف ..

"تحب نقعد في البلكونة؟"
"يا ريت"
جلس على كرسي في الشرفة ..
وأحضرت آخر وجلست قباله ..
أخذ يحكيني عن زوجته وبنته وابنه .. عندما كانوا يعيشوا معه في الشقة ..
يقول أنه الآن يسكن في منطقة تبعدني بساعة بالسيارة .. بعد أن عاد من الخارج ليتغلب على جراحه هنالك ..
يعيش الآن وحيداً بلا أقارب أو أصدقاء ..
وأخذ يردد ذكرياته بعينين دامعتين ..
.....................
يشير لأرض الشرفة ..

"هنا .. كانت بتيجي عشان تنصحني أنا وصحابي .. عشان نخف شرب وتدخين"

"عارف .. أنا حاسس إني لو دخلت أودة ابني .. هلاقيه فارد ضهره ع السرير , وماسك كتاب وبيقرا وهو حاطط رجل على رجل .. ديه آخر حاجة فاكرهاله"

"ومراتي واقفة في المطبخ بشعرها القصير الناعم وهي ماسكة المغرفة بإيد وايدها التانية بتمسح بيها عرق جبهتها الجميل"

ينظر إلى الصالة ..
"وهنا كانت بنتي بتكلم حبيبها في التليفون بصوت زي الهمس كدة .. فاكراني ماعرفش يعني .. ولما أقرب منها كانت تعلِّي صوتها وتعمل إنها بتكلِّم واحدة صاحبتها"
..............
تركته يسترسل كما يشاء .. حتى صمتْ
.. فسألته بعد أن غلبني الفضول ..
"وهم فين دلوقتي؟"
يقول : "حادثة عربية"
أسأل : كلهم؟؟
يوميء برأسه.
أقول : "متأسف جداً" ..
يجيب بدمع عينيه ..
أنهض : "أنا هعمل شاي"
يهز رأسه مبتسماً بحزن!
......................
أذهب إلى المطبخ .. وأنا أشعر بالتمزق ..

طبعي الدائم .. أن أجدني بداخل أي إنسان ..

أراني في كل البشر ..

رأيت حياته في حياتي ..

كما أتوحد مع الأفلام والروايات والأغاني ..
كانت دموعي قد بدأت في التساقط على الرغم مني ..

إلا أني صبرت نفسي بتخيل قصة صداقتي القادمة مع هذا الرجل ..
.................
شاب حائر وحيد في منتصف العشرينات لا يريد أن يعيش حياة واحدة ..
مع رجل وحيد في منتصف الخمسينات .. حطمته الأقدار ودمرت آماله ..
أراهن على أنها ستصبح صداقة رائعة !
..............

ابتسمت .. وذهبت إليه بالشاي ..
وأخبرته عن عرضي بالصداقة ..
فوافق .. وقال أنه يتشرف بأن يكون له ابناً مثلي ..
فأخبرته أني لا أريد أن أكون ابنه ..
"اعتبرني صديق .. بس صغير شوية"

يبتسم .. ويخرج محموله من جيبه ..
: "ممكن آخد رقمك؟"
أقول بسرعة وأنا أنهض : "طبعاً .. ثواني هجيب الموبايل" ..
آتي بالموبايل ..

أسجل رقمه ..

يسجل رقمي ..
يبدأ يرتشف الشاي ..
أسأله : مظبوط؟
يقول : مممم يعني كويس!
"بجد؟"
يقول : يعني .. لو مافهاش تعب .. ممكن معلقة سكر؟
أقول وأنا أنهض : طبعاً .. طبعاً ..

آخذ الكوب مسرعاً ..

...................

أعود إليه به ..
أجده يتناول كوب الشاي على رشفتين ..
يضع الكوب .. وينهض ..
"أقوم بقى عشان ماعطلكش عن اللي بتعمله"
"ما تخليك شوية .. تحب تتفرج على باقي الشقة؟؟" ..
"المرة الجاية بقى .. عشان ماتتخنقش من صديقك الجديد"
"لا طبعاً مافيش أي خنقة .. أنا تحت أمرك في أي وقت"


وعندما أوصلته للباب سألته :

"إنت مش محتاج أي حاجة بجد؟"
فاحتضنني وهو يرتعش ..
"ألف شكر يا حبيبي .. سلام"
"مع ألف سلامة" ..
.........................
أغلق الباب ..
أفكر قليلاً في مأساة هذا الرجل الوحيد ..
.......................
بعدها بقليل ..
أجدني نسيت تلك المأساة تماماً ..

لأني انشغلت بالبحث عن المحمول الذي أذكر أني وضعته آخر مرة على مسند الكرسي في الشرفة..
.................
وكأنه اختفى فجأة !
...............


http://3asoryat.blogspot.com/2010/04/blog-post_30.html

************************